عندما تدرك أنك مفتاح خيرك

 النسيان والشعر

 

في رحلة النسيان، نحتاج غالبًا إلى تذكرة مميزة من الفن، كأن تكون أغنية تُداعب أرواحنا أو قصيدة تلامس عمق مشاعرنا. 

الشعر ملاذ قوي: رحلة النسيان والذكرى

محاولات ضيدان في مسعى النسيان أكدت أن الشعر ليس مجرد كلمات تُلقى، بل هو كمال ينقصنا جميعًا، وإضافة جمالية تضفي على الحياة نكهة فريدة. فهو أحد أرقى الفنون التي أبدعتها الإنسانية، ويبدو أن هناك شيئًا دفينًا بداخلنا لا يلامسه سوى الشعر. لكل منا وقت يرتبط فيه بقوة بالشعر، ربما طيلة حياته، أو لفترة معينة خُلق فيها برفقة أبيات قصيدة.

خلال هذه "الرحلة" للنسيان، تبدو الضرورة ملحّة لتمسك بتلك "التذكرة" الفنية. شخصيًا، في فترة ما، قررت مواجهة مشاعر قديمة هزمتها الأيام، لكن الحنين كان يخترق كل محاولاتي، وكأنه يُفسد لذة النسيان المنشودة. حينها وجدت في الشعر ملاذًا قويًا، تمامًا كفرحة طفل اقتنى للتو لعبته المنتظرة.

القصيدة التي أعادتنا إلى النسيان: رحلة مليئة باليأس والشقاء

كان الأمر صدفة عابرة جميلة حين وقعتُ على قصيدة "تسع سنين" لضيدان بن قضعان. بدأت هذه الأبيات بمستوى عالٍ من الاعتراف والتشبع بالمشاعر:

على عيد انكساري في غرامك قبل تسع سنين  

تذكّرتك وقلت أكلمك والنيّة النيّة  

الو لبيه يا أغلى من ذبحني قبل عام الفين  

ومت ولا حييت إلا على ذكره وطاريّه.

منذ البداية، تعلم أن القصيدة ليست مجرد كلمات متناثرة، بل هي حالة شعورية مكثفة. في اعتراف صادق ينبع من الأعماق، يصل إلى الجنون الواضح في قوله:

أحبك وين ما سجّت عيوني فـ الزمان الزين  

وسجّجني الزمان اللي متاهاته خياليّه.

وحين يبدأ بالحديث عن أهمية الشخص الذي يفوق أي مكان:

فديتك يوم تاخذني على كيفك ولا أدري وين  

معك من وين ما ذعذع هواك ومالت الفيّة.

ومع هذه التصريحات القوية تأتي رحلة النسيان التي تشكل محور القصيدة:

تفاهمنا على حسم الأمور وكلّنا راضين  

وتوادعنا ما كنّ قلوبنا خضر وهواويّة.

شاهد مواضيع مميزة قد تهمك ايضا

"لا ترهب التجربة؛ فالعثرة من سمات الساعين"

"ما هو الاكتئاب: إضاءة جديدة على الحزن القديم؟"

"لماذا ينبغي عليك تحديد الأهداف؟ "

"ما بعد الحداثة: تحولنا إلى نسخة جديدة من أنفسنا"

لكن رغم هذا الاتفاق الظاهري الذي يشير إلى النهاية، تظهر دلائل واضحة بأنه لم يتمكن من النسيان. يظهر ذلك جليًا عند أولى الذكريات التي تخترق السكون:

ومع هذا عجزت أسج وأنسى وأترك المقفين  

أغصب القلب لكنّ الغلا قدرة إلهيّة.

وبعد صمت طويل، يأتي الاعتراف بالفشل في طي صفحات الماضي:

وإلا منّه سرى من كل ليلٍ حروة الثلثين  

عرفت إن نسبة النسيان دون اثنين فالمية.

ثم تبدأ المحاولات الجادة للنسيان. المحاولة الأولى كانت عبر اختيار حياة مختلفة والابتعاد عن كل ما يذكره:

وفكرت اتبدوى مع أهل الابل و أترك أهل الضين  

يجوز الابل تنسّي من تبعها عن مشاهيّه.

والمحاولة الثانية جاءت بشراء الوضح كملاذ للخلاص:

شريت الوضح لعل وعساي أسلى مع السالين  

وقعدت أشد وأنزل في التهاتيه الخلاويّه.

أما المحاولة الثالثة فقد كشفت مدى جدوى محاولاته:

ولكن ما تغيّر حال هذا أنت تحداني لين  

نويّت أتمّ نصف الدين والنيات مقفيّه.

والرابعة كانت إصرارًا واضحًا على النسيان ولو عبر البدء من جديد:

خذيت من بنات الغيّد عقبك وحده و ثنتين  

عساي أسج عن طاري الهوا وطيوف غاليّة.

لكن النهاية لم تكن سوى رجوع إلى نفس النقطة اليائسة:

ولكنّ الوضع هو هو ما تغيّر و الزمان يشين  

وحبك كل يوم يزين في العين الشقاويّه.

في النهاية، يمكنك أن تدرك أن القصيدة ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي رحلة مشحونة بالأمل واليأس. إنها قصة للروح بين الذكرى والنسيان، ومحاولات عديدة للتجاوز التي باءت جميعها بالفشل. قصيدة تعكس مشاعر إنسانية تتغلب عليها الذكرى أكثر مما يُتحقق النسيان!